كَان يَا سَادَة يَا كَرَّام فِي أحَد الْأَزْمَان
وَرْدَتَان حَمْرَاء وَبَيْضَاء جَمِيْلَتَان
نَشْئَا فِي حَقْل جَمِيْل فِيْه مِن الْزُّهُوْر أَلْوَان وَأَلْوَان
وَمُنْذ أَن كَانَتَا بَذِرَّتَان فِي قَلْب الْأَرْض وَهُمَا مُتَجَاوِرَان
فِي حُفْرَة وَاحِدَة شَاء الْرحمن أَن يَكُوْنَان
وَمَضَت بِهِمَا الْحَيَاة فِي مَرَاحِلِهَا الْمُعْتَادَة
حَتَّى كُبْرَى وَأَصْبَح عَاشِقَان
يَشْرَبَان مِن الْأَرْض مَا طَاب لَهُمَا أَن يَشْرَبَان
وَإِن شَحّت الْسَّمَاء تَقَاسَمَا قَطْرَة الْمَاء نِصْفَان
وَعَاشَا سِنِيْن وَكِلَاهُمَا بِعُهُود الْحُب يُقَسَّمَان
وَأَن لَا فَراق يُفَرِّق الْعَاشِقَان مُهِمَّا جَار الْزَّمَان
وَفِي مَسَاء احَد الْأَيَّام
إِذ بِفَرَاشَة زَرْقَاء تُحِط عَلَى الْوَرْدَة الْحَمْرَاء
فَسَأَلْتُهَا الْوَرْدَة الْحَمْرَاء :-
مِن أَيْن أَتَيْت أَيَّتُهَا الْفَرَاشَة الزَّرْقَاء ؟
وَلِمَاذَا لَا تَشْرَبِيْن مِن رَحِيْقِي حَد الارْتِوَاء ؟؟
قَالَت الْفَرَاشَة الزَّرْقَاء : -
أَتَيْت مِن حَقْل احَد الْأَغْنِيَاء
حَيْث الْزُّهُوْر الْجَمِيِلَة الْغِنَاء
فَلَا حَاجَة لِي مِنْك بِالارْتِوَاء
هَنَاك حَيْث كُل شَي يَنْطِق بِالْتَّرَف وَالْمَاء
لَا احَد يَنْتَظِر مَتَى تُمْطَر الْسَّمَاء
فَالْمَاء مُتَوَفِّر صُبْح مَسَاء
يَكْفِي أَن تَكُوْنِي فَخُوَرَة بِأَنَّك مّلِك لِأَحَد الْأُمَرَاء
مَا أَنْت هُنَا إِلَّا نَكْرَاء
لَيْس لَك قَيِّمَة تُذَكِّر فِي مَزْهَرِيَّات الْأَغْنِيَاء
أَو يُهْدِيْك عَاشِق لِحَبِيْبَتِه الْغَادَة الْحَسْنَاء
ثُم طَارَت الْفَرَاشَة وَاخْتَفَت فِي الْسَّمَاء
فَتَمَرَّدَت الْوَرْدَة الْحَمْرَاء
وَقَرَّرَت الْرَّحِيْل هَذَا الْمَسَاء
وَأَعْلَنْت هَذَا صَرَاحَة
وَعَايَرْت الْوَرْدَة الْبَيْضَاء
بِأَنَّهَا لَن تَرْضَى يَوْم بِأَن تَبْقَى فِي حُقُوْل الْفُقَرَاء
بَكَت الْوَرْدَة الْبَيْضَاء
وَذَكَرْتَهَا بِأَنَّهُمَا عَاشِقَان لَا تَفَرَقَهُما
أَي ظُرُوْف هَوْجَاء أَو أَي إِغْرَاء
وَتَرَّجَتِهَا أَن تُعَدّل عَن رَأْيِهَا بِالْرَّحِيْل
عَن حَقْل تَرَبَّى فِيْه مُنْذ أَن كَانَا بُذُوْر سَوْدَاء
وَلَكِن لَم تَكُن الْوَرْدَة الْحَمْرَاء
لِتَعْرِف مَعْنَى الْحُب وَالْوَفَاء
فَنَزَعَت جُذُوُرَهَا مِن الْأَرْض
مَع صَرْخَة أَلَم مِن الْوَرْدَة الْبَيْضَاء
حَيْث أَن جُذُورْهُما كَانَتَا مُتَشابِكَتَان
بِأُسْم الْحُب وَالْإِخْلَاص وَالْوَفَاء
وَرَحَلْت نَحْو حُقُوْل احَد الْأَغْنِيَاء
وَمَا أَن وَصَلْت حَتَّى أنبْهَرّت بِهَذَا الْجَمَال
الَّذِي مَزْج الْزُّهُوْر كُلَّهَا بِاخْتِلَاف الْأَلْوَان
وَالْمَاء يَنْسَاب مِن خِلَال جَدَاوِل
لَا تَعْرِف فُصُوْل أَو مَوَاسِم يَنْتَظِرَان
غُرِسَت جُذُوْرُهَا بِجِوَار زَهْرَة أُقْحُوَان
وَمَضَت فِي مِص الْمَاء
مِن جُذُوْرِهَا دُوْن خَوْف مِن نُقْصَان
أَو أَن تُشَارِكُهَا زَهْرَة أُخْرَى
قَطْرَة مَاء يَقْتَسِمَان
مِثْلَمَا كَانَت فِي مَاضِي حَيَاتِهَا
فِي حُقُوْل الْفُقَرَاء مِن بَنِي الْإِنْسَان
حَتَّى الفَرَاشَات هُنَا مُخْتَلِفَة بِجَمَالِهَا
الَّذِي يَسْلُب الْأَذْهَان
مَضَت أَيَّام و هِي فِي نَعِيْم اخْتِيَارِهَا
ضَارِبِه بِحُبِّهَا وَعِشّقَهَا عَرَض الْجُدْرَان
كُل شَي هُنَا جَمِيْل نَّشَأ
بِفَضْل أَمْوَال الْإِنْسَان
وَفِي مَسَاء احَد الْأَيَّام
مُر رَجُل مِن بَنِي الْإِنْسَان
وَمِد يَدَيْه إِلَى الْوَرْدَة الْحَمْرَاء
فَشَعَرَت بِالْفَخْر وَالْغُرُوْر وَالْكِبْرِيَاء
فَهُو قَد اخْتَارَهَا هِي
مِن بَيْن أَلَآف الْزُّهُوْر الْحَمْرَاء
وَقَالَت لنَفْسِهَا :
حَتْمَا سِيَضَعَنِي فِي مَزْهَرِيَّتِه الْجَمِيْلَة
كَمَا قَالَت لِي الْفَرَاشَة الزَّرْقَاء
وَسَأَكُوْن فِي شِعْر حَبِيْبَتِه الْحَسْنَاء
قَطْفُهَا مَع صَرْخَة أَلَم تَرَدَّدْت فِي هَذَا الْمَسَاء
وَقَرَّبَهَا مِن أَنْفِه
وَشْم أَرِيْجَهَا ثُم أَلْقَاهَا فِي الْعَرَاء
فَمَضَت تَتَوَسَّلُه رَجَاء وَبُكَاء
لِمَاذَا قَطَفَتْنِي إِذَن وَتَرَكْتَنِي كَاللَّقِيطَة
تَتَوَسَّل الْبَقَاء ؟؟
قَبْل أَن تَدُوْسَهَا أَقْدَام الْغُرَبَاء
فَالْيَوْم حَفْلَة زَوَاج احَد الْأَغْنِيَاء
سُحِقَت الْوَرْدَة الْحَمْرَاء
بِأَقْدَام الْبَشَر
قَبْل أَن تَعْصِف بِهَا رِيَح هَوْجَاء
و تُمَزِّقُهَا أَشْلَاء
أشَلالالالالالَاء
وَهُنَاك فِي حُقُوْل الْفُقَرَاء
وُبِجَانِب الْوَرْدَة الْبَيْضَاء
أَزْهَرَت زَهْرَة أُخْرَى كَالَدِمَاء
تَرْشُف الْمَاء بِحَذَر بَالِغ
مَخَافَة أَن لَا يَبْقَى شَيْء لِلْوَرْدَة الْبَيْضَاء
فَهِي لَم تَنْسَى بِأَنَّهَما فِي حُقُوْل الْفُقَرَاء
وَعَلَيْهِمَا أَن يَنْتَظِرَا مَطَر الْسَّمَاء.