طلبتنا الأعزاء جئناكم اليوم بمقالة فلسفية تهم شعبة آداب وفلسفة وهي تنتمي إلى الإشكالية الأولى " إدراك العالم الخارجي "
وبالضبط إلى المشكلة الخامسة " العادة و الإرادة "
وهي مقالة استقصاء بالرفع
فند بالبرهان صحة الأطروحة القائلة : « العادة تؤدي إلى فعالية السلوك »
طرح المشكلة
إن السلوك الفطري لا يكفي وحده للتكيف مع المواقف والعالم الخارجي ، لهذا لابد من اكتساب أفعال و صفات جديدة أي تعلمها ، وبتكرارها تصبح تسمى بالعادة وهي قدرة مكتسبة على أداء عمل ما بطريقة آلية مع السرعة والدقة و الاقتصاد في المجهود . ولقد كانت الفكرة الشائعة لدى الفلاسفة أن العادة سلوك آلي لأنها تؤدي وظيفة سلبية في حياة الفرد و المجتمع لأنها تقلل من الشعور و الإحساس ، لكن هناك فكرة تناقضها وتخالفها و هي أن العادة سلوك حيوي فهي تؤدي وظيفة إيجابية و تجعل الإنسان يتكيف مع المواقف ، وهذا ما يدفعنا إلى الشك في صدق هذه الأطروحة و طرح الأسئلة التالية : كيف يمكن إبطال هذه الأطروحة ؟ وهل يمكن تفنيدها بحجج وبالتالي دحضها ؟
محاولة حل المشكلة :
1 - عرض منطق الأطروحة :
إن منطق هذه الأطروحة يتمركز حول قيمة العادة حيث يرى بعض الفلاسفة و خاصة الفيلسوف الفرنسي
( ما ن دي بيران ) بأن العادة لها نتائج إيجابية فهي تلعب دورا هاما في حياة المجتمعات البشرية ، وقد اعتمدوا على مسلمات ودعموها بحجج :
أن آلية العادة يترتب عنها نقصان في الشعور بالأفعال و الأعمال ، مما يؤدي إلى الاقتصاد في الجهد العضلي و الفكري ، بحيث يستطيع الفرد أن ينجز أعمالا كثيرة في وقت قصير مثال ذلك فالجهد الذي يقوم به المتعلم في سلوك الكتابة يبدأ في النقصان حيث يتعود عليه الإنسان ( الطفل المتمدرس سنة أولى تحضيري ) يصبح يقوم به بسرعة
بعض العادات تساعد الإنسان على اكتساب عادات ومعارف أخرى ( جديدة ) وهذا بالاعتماد على المعارف السابقة لذلك يقول الدكتور ( يوسف مراد ) في كتابه ( مبادئ علم النفس ) : ففائدتها عظيمة لا من حيث قيمتها في تهيئة الشخص لمواجهة مواقف جديدة بالاعتماد على المهارات و المعلومات المكتسبة و بالتالي لاكتساب مهارات و معلومات جديدة » و بالتالي تؤدي إلى تكيف الفرد مع المواقف المتشابهة و تجعله يشعر بالارتياح و التوازن النفسي
2 - رفع الأطروحة بحجج شخصية شكلا ومضمونا :
يمكن رفض الأطروحة السابقة القائلة بإيجابيات السلوك التعودي و إبطالها بحجج شخصية شكلا ومضمونا نذكرها فيما يلي :
العادة تقضي على الإرادة فيصير الإنسان عبدا لها لذلك يقول الفيلسوف الألماني ( كانط ) : « كلما امتلك الإنسان عادات ، كلما قلت حريته و قل استقلاله » .
كما تؤدي العادة إلى فقدان روح المبادرة لدى الإنسان و انعدام الرغبة في الابتكار لديه ... مما يؤدي إلى الشعور بالملل و الروتين ، وهذا يؤدي إلى عجز الإنسان عن التكيف مع المواقف .
وهذا ما يجعلنا نستأنس بالنظرية الآلية التي يرى أنصارها و خاصة ( حون جاك روسو ) بأن العادة لها وظيفة سلبية لأنها تنعكس بالسلب على عدة مستويات : فعلى مستوى الاجتماعي ، فبعض العادات تؤدي إلى الانحلال و التفكك الاجتماعي ، أما على المستوى الخلقي فإن اكتساب رذيلة و التعود عليها يساعد على اكتساب رذائل أخرى ، أما على المستوى الفكري فهي تجعل الإنسان مجرد آلة وهذا يتناقض طبيعته العاقلة لذلك يقول (بردوم ) :« إن جميع من تستولي عليهم العادة يصبحون بوجوههم بشر وبحركاتهم آلات .. .»
3 – نقد منطق المناصرين للأطروحة :
عرض منطقهم :
إن هذه الأطروحة لها مناصرين و خاصة أصحاب النظرية الدينامكية الذين يعتقدون بأن السلوك التعودي مفيد دائما للإنسان فهو يؤدي إلى فعالية السلوك و بالتالي له أثر كبير في حياة الفرد و المجتمع
الرد على هذا المنطق :
لكن هذا الموقف تعرض لانتقادات عديدة لأنه ينطوي على نقائص وسلبيات أهمها :
إذا كانت العادة تعتمد على الآلية التي تتصف بدورها بالثبات والسكون ، فإن استقرارها ورسوخها في سلوك الإنسان يؤدي حتما على سلسلة من العوائق كالجمود و التحجر و الرتابة ، بينما حياة الإنسان تتصف بالتجدد و التطور .
كما أن العادة قد تنعكس على السلوك بصورة سلبية حيث تنقلب مرونتها إلى صلابة تعوق نشاط الإنسان و تمنع من التحرر ، وبالتالي تقف حاجزا أمام تطوره و تقدمه ، بدليل أن الإنسان يجد صعوبة كبيرة في التكيف مع الأوضاع الجديدة التي تتناقص مع ما تعود الفرد عليه مثال ذلك : من تعود على العيش في طقس حار يجد صعوبة في التكيف مع الطقس البارد .
حل المشكلة :
إذن نستنتج بأن الأطروحة القائلة : « العادة تؤدي إلى فعالية السلوك و بالتالي إلى التكيف » ، أطروحة فاسدة لهذا فإن أنصارها قد بالغوا و تطرفوا في تفسيرهم لنتائج العادة ، وهذا بتركيزهم على الوظائف الإيجابية فقط ، بينما الواقع يؤكد بأن لها وظائف مضرة و بالتالي لا يمكن الدفاع عن هذه الأطروحة و الأخذ برأي مناصريها حيث يقول جون جاك روسو : «خير العادة ألا يعاد شيئا »