الاستغفار معناه طلب المغفرة، والمغفرة هو وقاية شر الذنوب مع سترها، وقد كثر في القرآن الكريم ذكر الاستغفار: فتارة يؤمر به، كما في قوله تعالى: وأن استغفروا ربكم. . [هود:3>.
وقوله تعالى: واستغفروا الله [المزمل:20>.
وتارة يمدح أهله، كما في قوله تعالى: والمستغفرين بالأسحار [آل عمران:17>.
وقوله تعالى: والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم [آل عمران:135>.
وتارة يذكر أن الله يغفر لمن استغفره، كما في قوله تعالى: ومن يعمل سوءا أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما [النساء:110>.
وكثيرا ما يقرن الاستغفار بذكر التوبة، فيكون الاستغفار حينئذ عبارة عن طلب المغفرة باللسان، والتوبة عبارة عن الإقلاع من الذنوب بالقلوب والجوارح. وقد ورد في فضل الاستغفار آيات وأحاديث كثيرة:
فمن الآيات قوله تعالى على لسان نوح عليه السلام: فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهارا [نوح:10-12>.
وقوله تعالى: ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم [هود:52>.
وقوله تعالى على لسان نبينا محمد : وأن واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله [هود:3>.
ولهذا خرج عمر يستسقى فلم يزد على الاستغفار، فقالوا: ما رأيناك استسقيت؟ فقال: لقد طلبت الغيث بمجاديح السماء الذي يستنزل به المطر، ثم قرأ هذه الآيات.
وعن الحسن البصري رحمه الله: أن رجلا شكى إليه الجدب فقال: استغفر الله، وشكى إليه آخر الفقر، فقال: استغفر الله، وشكى إليه ثالث جفاف بستانه، فقال: استغفر الله، وشكى إليه رابع عدم الولد، فقال: استغفر الله.
وأما الأحاديث في فضل الاستغفار فمنها قوله تعالى في الحديث القدسي: ((يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم)). وقوله سبحانه في الحديث الآخر: ((يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك)).
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله : ((إن عبدا أذنب ذنبا، فقال: أي ربي! أذنبت ذبنا فاغفر لي، فقال الرب سبحانه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، فقال: أي رب! أذنبت ذنبا فاغفر لي، فقال الرب سبحانه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب قد غفرت لعبدي، ثم مكث ما شاء الله، ثم أذنب ذنبا، فقال: أي رب! أذنبت فاغفر لي، قال الرب سبحانه: علم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، قد غفرت لعبدي فليفعل ما يشاء)).
والمعنى: ما دام كلما أذنب استغفر غفرت له ما دام صادقا في توبته وقوله: أستغفر الله، بحيث يقولها من كل قلبه، ويعزم عزما أكيدا على أن لا يعود، فإن عاد واستغفر غفر الله له.
فيا إخوة الإسلام: عليكم بالاستغفار، أكثروا منه في بيوتكم، على موائدكم وعلى فرشكم، وفي طرقكم وأسواقكم وأينما كنتم، فإنكم لا تدرون متى تنزل المغفرة. ولذا قال لقمان لابنه: يا بني عوّد لسانك اللهم اغفر لي، فإن لله ساعات لا يرد فيها سائلا. ولذا كان البني يكثر من الاستغفار وكان يقول: ((والله إني لاستغفر الله وأتوب إليه في اليوم أكثر من سبعين مرة)).
وكان يعد له في المجلس الواحد: ((رب اغفر لي وتب علي إنك أنت التواب الرحيم مائة مرة)).
وكان يقول: ((طوبى لمن وجد في صحيفته استغفارا كثيرا)).
وأفضل أنواع الاستغفار: أن يبدأ العبد بالثناء على ربه، ثم يثني بالاعتراف بذنبه، ثم يسأل الله المغفرة، كما في حديث شداد بن أوس عن النبي أنه قال: ((سيد الاستغفار أن يقول العبد، اللهم أنت ربي..)).
قال الطيبي: لما كان هذا الدعاء جامعا لمعاني التوبة كلها استعير له اسم السيد، وهو في الأصل الرئيس الذي يقصد في الحوائج ويرجع إليه في الأمور.
وقوله: ((اللهم أنت ربي، لا إله إلا أنت خلقتني)) اعتراف بربوبية الله وألوهيته، فأنت ربي خلقتني، ليس لي رب غيرك، ولا خالق سواك، وأنت معبودي وحدك إياك نعبد وإياك نستعين .
وقوله: ((وأنا عبدك)) فيه التزام عبوديته من الذل والخضوع والإنابة، وامتثال أمر سيده، واجتناب نهيه، ودوام الافتقار إليه.
وفيه أني عبد من جميع الوجوه: صغيرا وكبيرا، حيا وميتا، مطيعا وعاصيا، معافى ومبتلى، وفيه أن مالي ونفسي ملك لك. وأنت الذي مننت علي بكل ما أنا فيه من نعمة، وأني لا أملك لنفسي خيرا ولا نفعا، ولا موتا ولا حياة ولا نشورا.
وقوله: ((وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت)) قال الخطابي: يريد أنا على ما عاهدتك عليه وواعدتك من الإيمان بك، وإخلاص الطاعة لك ما استطعت من ذلك، ويحتمل أن يريد: أنا مقيم على ما عهدت إلي من أمرك، ومتمسك به، ومنتجز وعدك في المثوبة والأجر.
وقال ابن بطال: ((وأنا على عهدك ووعدك)) يريد العهد الذي أخذه الله على عباده حيث أخرجهم أمثال الذر وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم، فأقروا له بالربوبية وأذعنوا له بالوحدانية، وبالوعد ما قال على لسان نبيه : أن ((من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة)).
وفي قوله : ((ما استطعت)) إعلام لأمته أن أحدا لا يقدر على الإتيان بجميع ما يجب عليه لله، ولا الوفاء بكمال الطاعات والشكر على النعم، فرفق الله بعباده فلم يكلفهم من ذلك إلا وسعهم.
وقوله: ((أبوء لك بنعمتك علي)) أي أعترف بأن ما بي من نعمة فمنك وحدك لا شريك لك، وقوله: ((وأبوء بذنبي))، أي أعترف وأقر بما ارتكبت من الذنوب والخطايا، ومنها عدم قيامي بشكرك على نعمك.
وقوله: ((فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت))، هذا الاعتراف الثاني بعد الاعتراف الأول من موجبات المغفرة، كما قال النبي : ((إن العبد إذا اعترف بذنبه تاب الله عليه)).
وقوله : ((من قالها من النهار موقنا بها فمات قبل أن يمسي فهو من أهل الجنة، ومن قالها من الليل وهو موقن به فمات قبل أن يصبح فهو من أهل الجنة)). فيه الإشارة إلى ضرورة تعلم هذه الكلمات، وقولها صباحا ومساءا.
قال ابن أبي جمرة: جمع النبي في هذا الحديث من بديع المعاني وحسن الألفاظ ما يحق له أن يسمى ((سيد الاستغفار)) ففيه الإقرار لله وحده بالإلهية والعبودية، والاعتراف بأنه الخالق، والإقرار بالعهد الذي أخذه عليه والرجاء بما وعده، والاستعاذة من شر ما جنى العبد على نفسه، وإضافة النعماء إلى موجودها، وإضافة الذنب إلى نفسه، ورغبته في المغفرة، واعترافه بأنه لا يقدر أحد على ذلك إلا هو.
اخوة الإسلام: إن الاستغفار لا يحتاجه العصاة وحدهم، بل أهل الطاعة محتاجون أيضا إلى كثرة الاستغفار، لأن التقصير لابد أن يحصل في العبادة، فينبغي للعابد أن يجبر هذا التقصير بالاستغفار عند الفراغ من العبادة. ولذا شرع الاستغفار عقب الطاعات: فشرع للمتوضئ إذا فرغ أن يقول: اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.
سبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، استغفرك وأتوب إليك.
وشرع للمصلي إذا انصرف من صلاته أن يقول: استغفر الله، استغفر الله، استغفر الله.
وشرع للحجاج إذا أفاضوا أن يستغفروا الله، لقوله تعالى: ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله [البقرة:199>.
ولقد وعى المتقون ذلك ، فكانوا يبيتون لربهم سجدا وقياما، حتى إذا كان السحر جلسوا يستغفرون الله، فمدحهم الله على ذلك، وآتاهم من النعيم ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر. قال تعالى: إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتاهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون [الذاريات: 15-18>.
فأكثروا – عباد الله - من الاستغفار، واعلموا أن المسلم مطالب بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات كما هو مطالب بالاستغفار لنفسه، اقتداء بالملائكة المقربين، والنبيين المرسلين، وعباد الله الصالحين. فإن الله تعالى قال عن الملائكة المقربين: الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا. . [غافر:7>.
وحكى تعالى عن نوح عليه السلام أنه قال: رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات. . [نوح:28>.
وحكى سبحانه عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب [إبراهيم:41>.
وأمر سبحانه نبينا محمدا بالاستغفار للمؤمنين والمؤمنات فقال: فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات [محمد:19>.
وقال تعالى عن عباده الصالحين: والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. . [الحشر:10>.
فعلى المسلم أن يشرك إخوانه المسلمين في استغفاره وله على ذلك أجر عظيم، بينه النبي بقوله: ((من استغفر للمؤمنين والمؤمنات كتب الله له بكل مؤمن ومؤمنة حسنة)).
وأولى المؤمنين بالاستغفار الوالدان تأسيا بالأنبياء، وطاعة لله عز وجل حيث قال: وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا [الإسراء:24>.
وقد أخبر النبي أن الاستغفار للوالدين ينفعهما فقال: ((إن الرجل لترفع درجته في الجنة، فيقول: يا رب! أنى هذا؟ فيقول: باستغفار ولدك لك)).
ربنا اغفر لنا ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب